حافظ سورة الفلق

بسم الله الرحمنالرحيم

المسجد إنه ذلك البناء الروحي الذي يضفيعلى النفس وعلى الداخل إليه شعورا ً آخر, بمنبره الخشبي ذي الطراز العثماني , وفيجنبات المسجد تناثرت الحلقات كالأزهار المنثورة في أماكن شتى , مركزها الأستاذ(الشيخ ) ووريقاتها الأطفال الصغار .

هناك في تلك الزاوية نلمح الأستاذخالداً . بمحياه الطيب , وبلحيته الخفيفة , وحوله الأولاد الصغار ما بين الخامسة والثامنةمن العمر , ومن بينهم "سامي" ذلك الطفل الذي اختلف الأطفال أو مع الأطفال في عمرهالحقيقي ما بين الخامسة والسادسة من العمر , ذلك الطفل الأسمر الذي ينبئ وجههوحركاته السريعة عن شقاوة كبيرة ,فاقت قامته الصغيرة , إضافة إلى "أمين" الطفل ذي الأربعة أعوام قريبالأستاذ خالد بصفحته البيضاء , وشعره الأحمر .

التف الأطفال حول الأستاذ خالد الذي أخذت الابتسامة تعلو محياه ,وهو يلقن الأولاد الصغار القرآن الكريم .
نظر إلى سامي وأقرأه سورة الفلق ثم قال له: عليك أن تحفظللدرس القادم سورة الفلق.
هز رأسه بالإيجاب , وبكل ثقة ….

وأتى يومالميعاد
أتى كعادته, ككل درس , وبعد السلام وحمد الله وسبر حفظ الطلاب , جاء دور سامي فالتفت الأستاذ خالد إليه
و سأله: أحفظت سورة الفلق ؟
فأجابه و بسرعة : يا أستاذ , بحثت جدتي فيالقرآن كله , ولم تجد سورة اسمها سورة الفلق .
ثم مد يديه بدفتره قائلاً:هل يمكنك كتابتها على دفتري لو سمحت.
ونظر إليه بتلك النظرة الطفولية البريئة ....................

فاجأه الرد , ابتسم رغما ً عنه , علىالرغم من أنه حاول كتم الابتسامة , ولكنه لم يستطع , فأدار وجه .
خط َّ له السورة على دفتره , ثم قال له : في المرة القادمة لا أريد أيَّة أعذار , وعدمالحفظ سينتج عنه عقوبة , فانتبه ,وقد أعذر من أنذر .....
هز رأسه بالإيجاب, وأبدى الأسف على عدم حفظه و أطرق رأسه في سكون
فقال له الأستاذ خالد: يمكنك الانصراف...

و ما كادينطق الأستاذ خالد الجملة حتى حمل أسماله وأحماله وهرول لا يلوي على شيء, والأستاذ يناديه أن لا يجوز الركض في المسجد .

أتى يوم الميعاد, سريعا ً , سريعا ً , وكله شوق ليرى أحفظ سامي سورةالفلق؟
كان كل شيء في سكون عجيب, كل شيء, ما عدا الأطفال الذين تجمعوا في حلقاتكل حول أستاذه...
الكون كله أخذ ينصت , ليعرف , هل حفظ سامي سورة الفلق؟
سأله : أحفظت سورة الفلق؟.
لم يتكلم, وإنما أطرق رأسه في استحياء, ونظر إلىالأستاذ خالد من تحت عينيه, ليرى ما ردة الفعل لديه, أعاد السؤال بحزم, فلم يزده سوىسكونا ً وصمتا ً ,
أخذ يلعب بأصابعه , يقلبها , و لسان حاله يقول : آخر مرة ياأستاذ .
قال له: حسنا ً , اجلس بجواري وممنوع الخروج لحين خروجي أنا ...
نظرإليه في حزن كأنه يعاتبه....
كان يدرك أن ذلك معناه الجلوس لساعة على الأقل, ريثما ينتهي من البقية.
أطرق رأسه بالأرض , قلب أصابعه , مط شفتيه .....
وأسدل رأسه ,و أمال رقبته لجهة اليمين , وأخذت عيناه تسترقان النظرة تلو النظرة , عله يلين قلب الأستاذ فيصفح عنه , عاد فأمال رأسه لجهة اليسار , وضع يديه في حجره , وجلس كأن على رأسه الطير .
حذا الأستاذ خالد حذوه ,فصار يسترق النظرات إليه بدونأن ينتبه , يراقب حركاته , وهو يتظاهر أنه مشغول عنه بالباقين...
و هنا تدخل ابنعم الأستاذ.
بدأ الوساطة , فقال لسامي بلهجة الواثق : يمكنك الذهاب ......
نظر الأستاذ إليه مستنكرا ً.... ففاجأه سامي بقوله : أستاذ , أيمكننيالذهاب ؟
أجاب باقتضاب : لا.
التفت إلى ابن عمه أمين قائلا ً : الأستاذ هناهو أنا ,وأنا من يقرر...
يبدو أن الأمر لم يعجب أمين , الذي التفت له و قال : أستاذ ألا يمكنه الذهاب؟
فكرر بحزم : لا ....
عاد سامي إلى حركاته الطفولية , مبديا ً عدم رضاه , بطريقته الطفولية البريئة .
زفر سامي : أفففففففففففففففففففففففففففففففففففف ,
وعاد أمين يعرض وساطته , المرة تلوالأخرى ....
المرة تلو المرة , كيف ولا , و سامي ابن حيـِّه .
فقال له: يمكنكالذهاب, ولكن بشرط, أن تأتي في المرة القادمة حافظا ً السورة.
هز رأسه بالإيجاب , ثم اختفى .....

أتى في الدرس الذي بعده , مزهوّا ً بنفسه , وقد علتابتسامة النصر محيّاه ,و تصدر الحلقة , ليكون أوّل من يعرض على الأستاذ حفظه .
بدأ : "بسم الله الرحمن الرحيم
قل أعوذ برب الفلق *من شرما خلق * وَ ......وَ ....
رده الأستاذ خالد :" ومن شر ....
فنظر سامي إليه بانتظار أنيكملها .

أ.خالد بتأنٍ وبصوت منخفض ٍ: غـَـــــــــــــــــــاسِـــــــق ٍ ....
فرد عليه سامي مقاطعاً : إلى هنا قد حفظت .

فأسقط في يد الأستاذ خالد, وفكر بأنه يضيع الوقت في محاولته تحفيظه السورة كاملة, فلا بد من تجزئتها, فليعطه في الدرس القادمإلى "العقد " ثم يكملها في الدرس بعد القادم كلها.

نظر إليه بابتسامته المعهودة , وقال له بصوت خفيض رقيق : حسنا ً حسنا ً , في الدرس القادم احفظ من " ومن شر غاسق ... "إلى "...في العقد"
وبعدها سنرى .....

وفي الدرس التالي أتى ساميمتبخترا ً, مزهوّا ً بنفسه, وقد تأبط دفتره, وقد حفظ كل ما طلب منه, وبلعَت ِابتسامتـُهُ وجْهَهُ الصغيرَ الأسمرَ.
وبدأ

" بسم الله الرحمن الرحيم
" ومنشر غاسق ٍ إذا وَقَبْ * ومن شر .... ومن شر .... " وامتعض وجهه وتقطب جبينه, فيمحاولة للتذكر ,
فرده أ. خالد بصوت خفيض وبهدوء شديد وببطء أشد:" النـَّــــــــفـــــــــاثــــــــــــــــــا."
قاطعه سامي:أعرف أعرف أستاذ لاتقل لي, ومن شر النفاثات في العقد "
وأطرق رأسه , وأغمض عينيه , وهزّ رأسه وهويختتم القراءة "صدق الله العظيم ".
ابتسم أ. خالد وقال: أحسنت, أحسنت, وفي المرةالقادمة أريدك أن تـُسمعَني سورة الفلق كلها,
تستطيع الذهاب, بارك الله بك.
وفيالدرس لقادم سمَّع سورة الفلق كلها .
فقال له الأستاذ خالد:" مبارك , لقد ختمتسورة الفلق! ".
فنظر إلى نفسه في عجب, وتهلل وجهه واستبشر, إلى أن قال لهالأستاذ:
في الدرس القادم سورة الصمد.
فأجابه والأسى يقطر من كلماته : كليوم يا أستاذ كل يوم ؟؟!!!!!

شكرررا

شكرا موضوع رائع ومفيد

وشكرا ً لك أخي راوي الورد على تعطيركم الصفحة بمروركم ...

شكراً لك أختي الفاضلة شذى على المرور

وشكراً لك على مرورك
وجزاك الله خيرا ً

وفقكم الله وفي أمانه

الله يجزيك الخير ويجعل ذلك في ميزان حسناتك