يقيم المولى عز وجل للمؤمنين مواسم للحصول على شهادة المغفرة والمواسم تلو المواسم فإذا صاموا رمضان سلم للصائمين شهادة بالمغفرة ، وإذا قاموا رمضان سلم القائمين شهادة بالمغفرة ، وإذا حافظوا على الصلوات الخمس في جماعة من الجمعة إلى الجمعة سلم المحافظين على الفرائض في أوقاتها من الجمعة إلى الجمعة شهادة بالمغفرة
والمحافظ على صلاة الفجر أربعين يوماً في جماعة أعطاه الله شهادة بالمغفرة ، ولو ترك الأهل والأموال والأولاد وخرج من بيته مهاجراً لزيارة رب العباد في بيته المحرم ، في بيته المعظم ، في بيته المكرم وقد حصل المال بطريق حلال - لأن هذا شرط القبول - فإذا كان المال من طريق حلال وقال لبيك اللهم لبيك قالت الملائكة له لبيك وسعديك والخير كله لك وبين يديك، أما إذا كان المال من طريق حرام أو من طريق الشبهات وقال لبيك اللهم لبيك تقول الملائكة لا لبيك ولا سعديك وحجك هذا مردود عليك
فإذا حج من نفقة حلال وخرج يبغي وجه الله لا يريد شهرة بين الناس أي لم يخرج حتى إذا رجع يقولون له الحج فلان ، فإن عمر حج وأبو بكر حج وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم جميعاً حجوا ولم نسمع من يقول الحاج أبو بكر أو الحاج عمر أو الحاج عثمان وإلا فإن الصلاة أعظم من الحج ، هل يجوز أن نقول المصلي فلان أو المزكي فلان أو الصائم فلان إن هي إلا ألقاب سميناها ما أنزل الله بها من سلطان
فإذا حج فليخلص النية ولينوي بحجه هذا الحصول على مغفرة من الله ورضوان يوم الحصول على الفوائد التي أعدها الله لمن يقوم بأداء هذه الفريضة وينوي مشاهدة البقاع المقدسة التي شاهدت نزول الوحي الإلهي والتي شاهدت الأنبياء عليهم السلام وهم يمشون يبلغون رسالات السماء ويتعرضون للأذى من هنا ومن هناك لا يخافون في الله لومة لائم حتى أعزهم ونصرهم ونشر دينهم وجعل كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا هي السفلى
فإذا خرج الحاج بنفقة حلال ويبغي رضاء ذي الجلال ، لا يرفع قدماً ولا يضعها إلا وكتب له حسنة ومحيت عنه سيئة ورفعت له درجة فإذا وصل إلى هناك وطاف حول البيت كان {كمن يخوض في رحمة الله} أي كمن يسبح أو يخوض في رحمة الله وأنتم تعلمون أن من يسبح في المياه هل يخرج وعليه أوساخ؟
هل يخرج وعليه أوزار؟ فما بالك بمن يخوض في رحمة الله هل يخرج وعليه ذنب أو خطيئة؟ هل يخرج وعليه عقوبة؟ إنه يخرج برحمة الله والملائكة يقولون لمن يدخلون جنة الله برحمة الله هم فيها خالدون يدخلون في الجنة برحمة الله التي يقول فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم: {لَنْ يَدْخُلَ الجَنَّةَ أَحَدٌ مِنْكُمْ بِعَمَلٍ» قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: «ولا أَنا إِلاَّ أَنْ يَتَغَمَّدَنِي الله بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ}{1}
فإذا وقفوا على عرفات فهذا يوم المغفرة الأعظم يوم الغفران يوم تجلي الغفور يوم تجلي التواب يوم تجلي العفو عن المذنبين وعن المسيئين وعن الخطائين لأنه يقول في حديثه القدسي: {يا عِبَادي إِنَّكُمُ الَّذِيْنَ تُـخْطِئونَ باللـيلِ والنهارِ وأَنَا الَّذِي أَغْفِرُ الذنوبَ ولا أُبَالِـي فاسْتَغْفِرُونـي أَغْفِرْ لَكُمْ ، يا عِبَادِي لو لقيتموني بقراب الأرض خطايا [يعني بملء الأرض ذنوب] ثم لقيتموني لا تشركون بي شيئاً غفرت لكم ما كان منكم ولا أبالي}{2}
إنه هو الغفور الرحيم ، إنه يحب التوابين ويحب المتطهرين فإذا وقفوا بين يديه ملبين وقد وضعوا ذنوبهم بين أيديهم وتضرعوا بألسنتهم وقلوبهم إلى خالقهم وبارئهم يرجون رحمته ويطلبون مغفرته يقول الكريم لعباده الملائكة: {يا ملائكتي انظروا إلى عِبَادِي جَاءُونَا شُعْثَاً غُبْرَاً مِنْ كُل فَجَ عَمِيقٍ يَرْجُونَ جَنَّتِي ، فَلَوْ كَانَتْ ذُنُوبُكُمْ عَدَدَ الرَّمْلِ أَوْ كَقَطْرِ المَطَرِ أَوْ كَزَبَدِ الْبَحْرِ لَغَفَرْتُهَا ، أَفِيضُوا عِبَادِي مَغْفُورَاً لَكُمْ وَلِمَنْ شَفِعْتُمْ لَهُ}{3}
بل إن الله يتفضل عليهم فيستجيب لهم الدعاء ويتحمل عنهم الحقوق ويباعد بينهم وبين المعاصي ويباعد بينهم وبين الشياطين ولذلك يقول سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم: {مَا رُؤِيَ الشَّيْطَانُ يَوْمَاً هُوَ أَصْغَرُ وَلاَ أَحْقَرُ وَلاَ أَدْحَرُ وَلاَ أَغْيَظُ مِنْهُ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ}{4}
لماذا؟ لما يرى من مغفرة الله لعباد الله فيندم على ما فعل لأنه وسوس لهم طول الأعوام وزين لهم الأعمال السيئة طول الأعوام ثم يغفرها الغفور عز وجل في نفس وأقل لأنهم وقفوا بين يديه خاشعين ووقفوا بين يديه ضارعين وقد عبروا عن ذلك في حالهم عندما لبسوا أكفانهم وتجردوا من أفعالهم وتجردوا من دنياهم ووقفوا بين يديه كما يقفون بين يديه في أخراهم ، ليس عليهم إلا الملابس البيضاء والكل يتساوى أمام رب الأرض والسماء
لا فرق بين غني ولا فقير ولا رئيس ولا وضيع الكل متساوون أمام الله لا يظهر الفارق إلا بالتقوى وتلك في صدورهم لا يراها إلا الله ولا يطلع عليها إلا الله فإذا وقفوا بين يديه هكذا خاشعين متذكرين لذنوبهم تائبين من أوزارهم غفر الله عز وجل لهم بل يقول صلى الله عليه وسلم: {يَغْفِرُ الله للحَاجِّ ولمَنْ اسْتَغْفَرَ لَهُ الحَاجُّ}{5}
ويقول صلى الله عليه وسلم: {إِذَا أَفَاضَ الْقَوْمُ مِنْ عَرَفَاتٍ أَتَوْا جَمْعاً فَوَقَفُوا ، قَالَ: انْظُرُوا يَا مَلاَئِكَتِي إِلَى عِبَادِي عَاوَدُونِي فِي الْمَسْأَلَةِ ، أُشْهِدُكُمْ أَني قَدْ أَجَبْتُ دَعْوَتَهُمْ ، وَشَفَعْتُ رَغْبَتَهُمْ ، وَوَهَبْتُ مُسِيئَهُمْ لِمُحْسِنِهِمْ ، وَأَعْطَيْتُ مُحْسِنَهُمْ جَمِيع مَا سَأَلَ ، وَتَحَمَّلْتُ عَنْهُمُ التَّبِعَاتِ الَّتِي بَيْنَهُمْ}{6}
ونحن أيضاً في هذه البلاد وإن كنا لم نوفق للمثول بين يدي الله في هذه الأماكن المباركة إلا أن الله لم يحرمنا من هذا الفضل بل جعلنا شركاء لهم في الأجر إذا وفقنا للعمل بهدي رسول الله والمتابعة لسنته صلى الله عليه وسلم فإذا دققنا في إتباع السنة في ذلك اليوم والسنة هي صيام ذلك اليوم وفيه يقول الحبيب صلى الله عليه وسلم: {صومِ يومِ عَرَفَةَ يُكَفِّرُ السَّنَةَ الماضِيَةَ والبَاقِيَةَ}{7}
ويقول صلى الله عليه وسلم: {مَا مِنْ أَيَّامٍ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ تَعَالَىٰ أَنْ يُتَعَبَّدَ لَهُ فِيهَا مِنْ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ، يَعْدِلُ صِيَامُ كُل يَوْمٍ مِنْهَا بِصِيَامِ سَنَةٍ ، وَقِيَامُ كُل لَيْلَةٍ مِنْهَا بِقِيَامِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ}{8}
ويقول صلى الله عليه وسلم: {مَا مِنْ أَيَّامٍ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ الْعَمَلُ فِيهِنَّ مِنْ هذِهِ الأَيَّامِ ، قِيلَ: وَلاَ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ؟ قَالَ: وَلاَ الْجَهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، إِلاَّ مَنْ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْجِعْ حَتَّى يُهْرَاقَ دَمُهُ فلم يرجع من ذلك بشئ}{9}
فإذا صمنا في هذا اليوم لله وعشنا في هذا اليوم بأرواحنا وأجسادنا بين يدي الله مستقبلين عظمة الله ومستحضرين توبة الله ومستحضرين أن الله عز وجل تنزه عن المكان ورحمته وسعت كل شئ فستسع جميع بني الإنسان والذين يقفون بين يديه في هذا الزمان يلبون ويضرعون ويصرخون ويستجيرون لأنه سبحانه يغفر الذنوب جميعاً
إذا وقفنا بين يدي الله في هذا اليوم على هذه الشاكلة جبر الله كسر قلوبنا وغفر ذنبنا وكنا مشاركين لأهل عرفات في مغفرة الله عز وجل وإن تفاوت الأجر والثواب ولكن حسبنا المغفرة من العلي الوهاب عز وجل
عباد الله اعلموا أن يوم عرفة يوم بر ويوم كرم والله عز وجل هو الرب الكريم الذي ليس لكرمه حدود وهو الوهاب الذي ليس لهباته نهاية وهو المنان الذي يعطي ولا يمن على عباده يعطي بلا حدود ويشمل بعطائه الجميع بشرط أن يكون الجميع في مقام التضرع والخشوع في مقام الإنابة والتوبة لله في مقام السجود بين يدي الله في مقام الرجاء في كرم الله في مقام الخوف من قهر الله وعظمة الله فإذا كنا كذلك شملنا الله برحمته ووسعنا بمغفرته
{1} رواه أحمد في مسنده عن أبي هريرة {2} رواه مسلم والحاكم في المستدرك عن أبي ذر {3} الراوي: عبدالله بن عمر المحدث: المنذري - المصدر: الترغيب والترهيب - الصفحة أو الرقم: 2/171 ، خلاصة حكم المحدث: طريقه لا بأس بها رواتها كلهم موثقون {4} رواه الإمام مالك في الموطأ والبيهقي من طريقه وغيرهما عن طلحة بن عبيد الله {5} الراوي أبو هريرة المحدث: ابن حجر العسقلاني المصدر: مختصر البزار الصفحة أو الرقم:1/439 ، خلاصة حكم المحدث: إسناده حسن {6} الْخطيب في المتفق والمفترق عن أنسٍ رضيَ اللَّهُ عنهُ {7} رواه مسلم وأحمد في مسنده عن أبي قتادة الأنصاري {8} الراوي: أبو هريرة المحدث: ابن حجر العسقلاني - المصدر: تخريج مشكاة المصابيح - الصفحة أو الرقم: 2/344 ، خلاصة حكم المحدث: حسن {9} رواه ابن ماجة في سننه وابن أبي شيبة في مصنفه وابن حبان في صحيحه عن ابن عباس
المصدر: منتديات الخير - من قسم: حبيبي يا رسول اللهl,hsl hglytvm
التعديل الأخير تم بواسطة Abo alkheer ; 09-20-2014 الساعة 10:16 AM
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
^-^ جميع آلمشآركآت آلمكتوبهـ تعبّر عن وجهة نظر صآحبهآ ,, ولا تعبّر بأي شكلـ من آلأشكآل عن وجهة نظر إدآرة آلمنتدى ~
المفضلات